في مشهد أثار الانتباه، ظهر وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وهو يحمل كتاباً بعنوان «حرب العشرين عاماً: الجهادية ومكافحة الإرهاب في القرن الحادي والعشرين» عقب جلسة حوارية بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس.
نشرت وزارة الخارجية المصرية الصورة وسرعان ما تحولت إلى موضوع نقاش سياسي وأمني، إذ لم يُنظر إلى الكتاب باعتباره مجرد هدية بروتوكولية، بل كرسالة تحمل أبعاداً ذات مغزى.
دلالات الكتاب ورسائله
الكتاب، الذي ألّفه الفرنسيان مارك هيكر وإيلي تينينباوم، يتناول الحرب العالمية على الإرهاب بين عامي 2001 و2021، ويرصد تطور استراتيجيات المواجهة منذ هجمات 11 سبتمبر.
وبحسب خبراء، فإن اختيار هذا الكتاب تحديداً، ليتم إهداؤه إلى وزير الخارجية المصري، يعكس اعترافاً فرنسياً ضمنياً بنجاح القاهرة في خوض معركتها ضد التطرف، ليس فقط بالسلاح وإنما عبر الفكر وتفكيك الأيديولوجيا المتشددة.
رسالة فرنسية مشفرة
أكد خبراء أن المشهد لم يكن عابراً، حيث تدرك فرنسا أن الحرب على الإرهاب لا تُحسم بالقوة المسلحة فقط، بل عبر تجفيف منابع الفكر المتطرف، وهو ما نجحت فيه مصر بوعي الدولة.
كما أن باريس تواجه حالياً تنامي انتشار الإخوان عبر اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الذي يشكّل مظلة للتنظيم الدولي للجماعة، لذلك يعكس الكتاب إدراكاً فرنسياً بخطورة هذا التمدد وأهمية الاستفادة من التجربة المصرية في مواجهته.
رؤية دبلوماسية مصرية
جاءت مشاركة الوزير المصري في الجلسة الحوارية بالمعهد الفرنسي شاملة، حيث استعرضت مصر مواقفها من القضايا الإقليمية وتجربتها في مكافحة الإرهاب.
وأكد وزير الخارجية المصري أن القاهرة لم تكتفِ بالمعارك الداخلية، بل خاضت حرباً مفتوحة على الإرهاب في سيناء، وشاركت عبر تعاون استخباراتي وأمني وعسكري على المستويين الإقليمي والدولي في مكافحة التنظيمات المتطرفة.
ويأتي ذلك وسط جهود مصر للحد من الهجرة غير الشرعية، ما يجعلها شريكاً أساسياً لفرنسا وأوروبا في مواجهة التحديات الأمنية.
أول ظهور للكتاب: مكافحة الإرهاب بعد 20 عاماً
تم عرض الكتاب للنقاش أول مرة في منتدى سياسي نظّمه معهد واشنطن يوم 17 ديسمبر 2021، حيث استعرض الخبيران الفرنسيان، مارك هيكر مدير الأبحاث والاتصالات في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، وإيلي تينينباوم مدير مركز الدراسات الأمنية بالمعهد ذاته، أبرز خلاصات كتابهما المشترك «حرب العشرين عاماً: الجهاد ومكافحة الإرهاب في القرن الحادي والعشرين».
خمس مراحل بعد هجمات 11 سبتمبر
قدّم الخبيران تقييماً شاملاً لمسار الحرب على الإرهاب منذ 2001، بتقسيمها إلى خمس مراحل استراتيجية:
2001–2006: تعطيل بعض الخلايا الجهادية مع إدراك محدودية التدخل العسكري وجهود الاستقرار.
2006–2011: تبنّي الغرب نهج مكافحة التمرد عبر الانتشار الميداني وبناء الثقة مع السكان المحليين.
2011–2014: عودة الجهاديين بقوة عقب الربيع العربي وصعود تنظيم داعش.
2014–2017: مواجهة التنظيمات الإرهابية بوجود عسكري أخف وأكثر مرونة.
2017–2021: ما سُمّي بـ«الانتصار الغريب»، حيث لم يظهر تنظيم جهادي ضخم جديد، لكن التهديدات الكامنة لم تُستأصل بالكامل.
من الحرب الشاملة إلى الجهد المستمر
أكد الكتاب أن الحديث عن «نصر أو هزيمة» في الحرب على الإرهاب مضلل.
فالصراع لم يُحسم، بل تحوّل إلى جهد مستمر طويل الأمد.
وقد فشلت الجماعات الجهادية في تحقيق أهداف كبرى مثل إقامة «الخلافة»، لكن الغرب بدوره لم يحقق انتصاراً استراتيجياً كاملاً.
ورغم انخفاض معدلات الوفيات الناتجة عن الإرهاب، إلا أن عدد المقاتلين السلفيين الجهاديين تضاعف عالمياً، ما يطرح مخاطر متجددة على السلم الدولي.
0 تعليق