الشيخ ياسر مدين يكتب: هل تستقل السنة بالتشريع؟

الوطن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشيخ ياسر مدين يكتب: هل تستقل السنة بالتشريع؟, اليوم الأربعاء 25 سبتمبر 2024 08:29 صباحاً

أوحى الله تعالى بالسنة النبوية المطهرة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أوحى إليه بالقرآن الكريم، وقد بيَّنَ السادة العلماء أنَّ للسنة المطهرة مع القرآن الكريم ثلاث حالات: الحالة الأولى أن تدل على ما دلَّ عليه، وقد رُوى عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ما تركتُ شيئاً مما أمرَكم اللهُ به إِلَّا وقد أمرتُكم به، ولا شيئاً مما نهاكم اللهُ عنه إلا وقد نهيتُكم عنه»، ومن أمثلة هذا القسم الأحاديثُ التى تفيد وجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، كقوله صلى الله عليه وسلم: «بُنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت»، حيث دلَّت هذه الأحاديث على ما جاء به القرآن الكريم فى هذا الشأن، نحو قوله سبحانه: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»، وقوله عز وجل: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً».

والحالة الثانية أن تأتى السّنة المطهرة لتُبيّنَ القرآن الكريم، فمَثَلاً قد نزل القرآن الكريم بالأمر بوجود الصلاة والزكاة والحج، وجاءت السنة ببيان صور أداء هذه العبادات، قال الله تعالى: «فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً»، وجاءتْ السنةُ المطهرة مبينةً عددَ ما فُرض من الصلوات، ومواقيتها، وأركانها، وعدد ركعاتها، وطريقة أدائها.. وكذلك قال تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ»، وقد بيَّنت السنة مناسكَ الحج.

وقد قال الصحابى الجليل سيدنا عمرانُ بن حُصين رضى الله عنه، لرجلٍ يريد الاقتصارَ على القرآن الكريم وحده: أنتَ رجلٌ أحمقُ! أتجدُ الظهرَ فى كتاب الله أربعاً لا يُجهرُ فيه بالقراءة؟! ثم عدَّدَ عليه الصلاةَ والزكاةَ ونحو ذلك، ثم قال: أتجدُ هذا فى كتاب الله مُفسَّراً، إن كتاب الله أبهم هذا، وإنَّ السنة تُفسِّرُ هذا.والحالة الثالثة هى استقلال السنة بتشريع لم ينصَّ عليه القرآن، وقد بيَّن السادة العلماءُ أنَّ هذا ليس خاصّاً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل غيرُه من المرسلين أُمروا بأوامر لم تتضمنْها الصُّحُف والكتب المنزلة عليهم، فوجودُ وحى سوى الكتاب المنزَّل مستقلٍّ بالتشريع واجب الاتباع لم يكن أمراً خاصّاً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.وذكروا من أمثلة ذلك أن سيدَنا إبراهيم عليه السلام أُمِر بذبح ولده إسماعيل فى رؤيا صادقة وليس فيما نزَلَ عليه من صُحف، قال تعالى: «قَالَ يَا بُنىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى»، وقد بيَّن القرآن الكريم أن النبييْنِ الكريميْنِ إبراهيم وإسماعيل امتثلا لأمر الله تعالى فى غير الصُّحف المنزلة وأثنى عليهما فقال سبحانه: «فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ».

وها هو سيدنا موسى عليه السلام أرسله الله تعالى إلى فرعون ليُؤمنَ به وليُرسلَ بنى إسرائيل معَه، وهذا الأمر لم تنزل به التوراة؛ لأن التوراة نزلت بعد ذلك فى فترة التِّيه، قال تعالى: «وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِنْ بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ».

وقد قامت الحجة على فرعون وصار عاصياً حين لم يُطعْ سيدنا موسى فى أمرٍ لم تنزل به التوراة.وهذان المثالان من القرآن الكريم يدلانِ دلالة قاطعة على أنه قد يُوحَى للأنبياء عليهم السلام بأوامر ليست فى الكتب المنزلة عليهم يجب اتباعها.

ثم إذا عدنا إلى القرآن الكريم فسنجد أنه يشير إلى استقلال السنة بالتشريع فى غير آية، من هذا قوله تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»، فكلمة (ما) فى هذه الآية عامَّة تشمل القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكلمة (الرسول) تشير فى وضوح إلى أنهما معاً وحى من الله تعالى، وقد روَى سيدُنا عبدالله بن مسعود أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعنَ الواشمات [والوشم غرس إبرة فى الجِلد حتى يسيلَ منه الدم ثم يُحشَى هذا الموضع بكُحل أو نحوه فيتلوّن هذا الموضع بلونٍ لا يزول] فبلغ ذلك امرأةً من بنى أسد تُسمَّى أمَّ يعقوب كانت على علم بكتاب الله تعالى فاستنكرت ذلك عليه، فقال لها: وما لى لا ألعن مَن لعَنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهو فى كتاب الله، فقالت: لقد قرأتُ ما بينَ لَوْحَى المصحف فما وجدتُ فيه ما تقول! قال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأتِ: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» قالت: بلى.

ويدل على هذا أيضاً ما جاء من آيات قرآنية فيها إشارة إلى طاعة مستقلة للرسول الكريم، كقوله سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» [النساء: 59]، فطاعة الله تعالى فيما نزل به القرآن، وتكرار الأمر (وأطيعوا) مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدل على طاعته فى ما سوى القرآن الكريم، وهو السنة المطهرة. وقد تكرّر هذا فى غير موضع من كتاب الله تعالى.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق