يأتي كتاب «107 أيام» للسياسية الأمريكية كامالا هاريس كعمل استثنائي يروي تفاصيل فترة حاسمة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة. تقدّم فيه شهادة شخصية مباشرة عن سباق رئاسي غير مسبوق، قادته هاريس بعد إعلان الرئيس جو بايدن انسحابه من السباق قبل الانتخابات بأشهر قليلة، ليفتح الباب أمام واحدة من أكثر الحملات الانتخابية كثافة وسرعة وتأثيراً في التاريخ الحديث.
يكشف الكتاب كيف تتشكل القرارات في أروقة السلطة خلال لحظات التغيير الكبرى. تبدأ هاريس كتابها برصد اللحظة المفصلية في 21 يوليو (تموز) 2024 عندما أعلن جو بايدن عدم ترشحه لولاية جديدة، لتجد نفسها أمام واقع جديد يحمل مسؤولية إعادة ترتيب المشهد السياسي الأمريكي خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 107 أيام. تستعرض الكاتبة كيف تعامل فريقها مع هذا التحول المفاجئ، وكيف أُعيد بناء الخطط الانتخابية في وقت قياسي مع الحفاظ على وحدة الحزب الديمقراطي وسط ارتباك داخلي وضغط إعلامي غير مسبوق.
تأخذنا هاريس إلى عمق الغرف الاستراتيجية حيث وُضعت الخطط وأعيدت صياغة الرسائل السياسية بما يواكب المرحلة الجديدة. تصف تفاصيل النقاشات حول هوية الحملة ورسائلها الرئيسية، وكيفية الوصول إلى الناخبين في ولايات محورية. تظهر في هذا السرد صورة عملية لاتخاذ القرار السياسي في بيئة مليئة بالتحديات، حيث السرعة والحسم عنصران أساسيان في كل خطوة.
كما ترسم الكاتبة لوحة مكثفة للتحضيرات التي سبقت المناظرات الرئاسية، بدءاً من إعداد الرسائل الجوهرية وحتى التدريبات الدقيقة على مواجهة الأسئلة الصعبة والتوقعات العالية. يتخلل هذه الصفحات وصف للضغوط التي يواجهها المرشحون أمام عدسات الإعلام ووسط متابعة عالمية، إضافة إلى الأجواء النفسية التي ترافق الاستعداد لمواجهة خصوم سياسيين يتمتعون بخبرة وخطاب جماهيري قوي.
يتوسّع الكتاب في وصف الحياة اليومية خلال الحملة الانتخابية، حيث تتنقل هاريس بين ولايات عديدة في جدول مزدحم باللقاءات والخطب والحوارات العامة. تنقل مشاهد عن لقاءات مع متطوعين ومؤيدين، وعن المحادثات الخاصة التي تدور مع المستشارين والأسرة، ما يمنح القارئ نظرة إنسانية خلف الصورة الرسمية. يظهر هنا توازن دقيق بين الدور السياسي والجانب الشخصي الذي يتطلب صموداً ذهنياً هائلاً.
وتتطرّق هاريس إلى لحظات الانتصار والإنهاك التي تخللت تلك الفترة المكثفة، موضحة كيف يتحول التعب إلى دافع للاستمرار حين تكون الديمقراطية على المحك. تسرد قصصاً عن مواجهة حملات التضليل والهجمات الرقمية، وعن الجهود المبذولة لحماية النزاهة الانتخابية في ظل مناخ سياسي محتدم. تقدم هذه الصفحات شهادة مهمة عن تحديات القيادة النسائية في أعلى المناصب السياسية.
كما تعطي الكاتبة مساحة واسعة لتأملاتها حول معنى القيادة في أوقات الأزمات. تربط تجربتها بالمسيرة الطويلة التي قطعتها من الادعاء العام في كاليفورنيا حتى وصولها إلى منصب نائبة الرئيس، لتظهر كيف تبلورت رؤيتها للعدالة الاجتماعية، وحقوق الأقليات، ودور الولايات المتحدة على الساحة العالمية. تكشف هذه التأملات عن فلسفة سياسية متجذرة في قيم المشاركة الشعبية والمساواة.
ويحمل الكتاب أيضاً إيقاعاً روائياً يجعل القارئ يعيش أحداث السباق الرئاسي لحظة بلحظة. تمزج الكاتبة الوقائع السياسية بالتجربة الإنسانية، فتتحول المذكرات إلى سرد مشوق عن سباق مع الزمن يتحدد فيه مستقبل أمة.
يشكل الكتاب شهادة نادرة على ديناميات السلطة والديمقراطية في الولايات المتحدة خلال لحظة فارقة. ويمكن القول إنه درس في القيادة تحت الضغط وزمن القرارات المصيرية.
كامالا هاريس تفتح كواليس أجرأ سباق رئاسي في تاريخ أمريكا

كامالا هاريس تفتح كواليس أجرأ سباق رئاسي في تاريخ أمريكا
0 تعليق