أبعاد الفقد تختلف

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أبعاد الفقد تختلف, اليوم الثلاثاء 1 يوليو 2025 02:31 صباحاً

من منا لم يجرب الفقد؟ لأحد ممن يحبهم، ولا يرى الدنيا تستمر بعدهم كما كانت مشمولة بحبهم ورعايتهم، أو أنهم كانوا بعينه وقلبه يفرشون مشاعر الحب والامتنان والتفاني والإيفاء بالمعاني حتى قبل طلبه لها.

والمواقع تختلف، فمن يفقد أباه ليس كمن تفقد والدتها، ومن صميم مواقعهم في حياته وأهميتهم، وقدر ارتباطهم وقربهم ومشاعرهم بتضحيات تشكل القيمة، التي يجدها تفرض نفسها حين الفقد، لتثبت أن فقدهم ليس مجرد حكاية تحكى، ولكنها معانٍ عميقة يظل طوال بقية عمره يتلمس قهر استحالتها حين حاجته، وكأنه طفل صغير، ولو بلغ من العمر عتيا.

كل يرى الفقد من جانبه، ومن ثغرة كومة مشاعره، فلا يعتقد أن أحدا فقد مثل فقيدته، ويندرج ذلك على الأخ والأخت، والابن والابنة، والصديق الحميم، وعلى من لم تكتمل قصته معه، فشعر بأن الراحل خُطف منه، وأن الندم لن يكفيه، وهو يعتصر المدامع محاولا التناغم مع حياة دونه.

كثيرون تلتصق الدعوات بالرحمة لمن فقدوهم على رعشة ألسنتهم، فلا يكادون يدعون لأنفسهم دون اكتمالها بذكرهم، وطلب الرحمة لهم.

بعضهم سيكتبون الخواطر والأشعار، وبعضهم يستغل كل لحظة صفاء ليردد لجلسائه حكايات ومزايا وأهمية من فقدهم، والبعض قد يزيد ويبالغ، لمعالجة ما بنفسه من تقصير، يطاول الخيال والمبالغة، فهذا لم يعد يخص الراحل بقدر ما يخص الفاقد، ينتظر بخوف وترقب، وهواجس أسئلة الغموض، ومشاعر متضاربة تطغى على مختلف تفاصيل حياته.

أحدهم سيترك في هاتفه أو صفحته رسالة مفتوحة من قصيدة محمود درويش يخاطب فيها خياله ويصف مشاعره بعد العدم: ويبقى مكانك فارغا، وفراغك أجمل الحاضرين.

وآخر يصارع ألم النكران: أسوأ ما يحدث ألا نعرف قيمة من نحب، إلا بعد الفراق!

وآخر أكثر جرأة: لعلنا خلقنا لنظل هكذا، خطين متوازيين يعجزان عن الفراق وعن التواصل فلا يلتقيان إلا إذا انكسر أحدهما.

وآخر: افتقاد شخص في بعض الأحوال يجعل العالم يبدو خاليا.

والفراق يختلف بين شخص وآخر، وحالة نفسية وأخرى، وبين ندم وقصور، وأهمية، وتعداد من فقد.

من يفقد شخصا قد يرى الدنيا عدم، ومن يفقد عددا من أحبته في كارثة جماعية، لا يعود يجد حدود وصف الوجع، والمشاعر الكافية لتغطية أكفانهم.

وهذا ما نشاهده في الحروب، والكوارث، حين يصل الفاقد لقمم تعاسة بشرية لا يمكن تخيلها، ينقصها صدق التوصيف، بمشاعر مهما حاول التعايش معها سرعان ما تلفظه، وتجعله مجرد بشر يحكي عن ورقة إحصائية تاريخ، لا تحتوي حدود الكارثة، وربما تتحول مشاعره إلى يأس وضحك وعدم تصديق بالواقع، وقلة اكتراث، ومواجهة كابوس لا يرتجى لملمة أطرافه، ولا الخروج من ثناياه بنفس سليمة، تتأقلم وتستشف التعايش مع جوانب الفقد.

الفراق جزء من الحياة، وكثير من يتأقلمون معه، وقلة من يظل يتحكم بأنفاسه، ويشعل داخله، ويستفز مشاعره، ويعترض إبداعه، ومستقبل أوضاعه، وقدرته على تقدير أهمية المحبة، والسلام، والملائكية بعدم بخس الآخرين حقوقهم، ومكانتهم، ومصاحبة فردانية الغرور والأنا المريضة، التي لا تصحو من نعراتها وعدم اهتمامها، إلا بعد تبين فراق موجع قاتل.

أخبار ذات صلة

0 تعليق