تتعمّق الأزمة السياسية في فرنسا مع دخولها مرحلة جديدة من الغموض، بعدما طلب الرئيس إيمانويل ماكرون، من رئيس الوزراء المستقيل سيباستيان لوكورنو إجراء «مفاوضات أخيرة» لتشكيل حكومة تُخرج البلاد من الجمود المستمر منذ عام 2024.
وأجرى لوكورنو، سلسلة مشاورات، أمس الثلاثاء، مع ممثلي الأحزاب في محاولة أخيرة للتوافق، قوبلت دعوته برفض من اليمين المتطرف واليسار الراديكالي اللذين شدّدا على مطلبهما المشترك بحلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة.
وبحسب مصادر مقربة من الإليزيه، أمهل ماكرون رئيس حكومته المستقيل حتى مساء اليوم الأربعاء، لإيجاد «إطار للتحرك والاستقرار»، على أن «يتحمّل الرئيس مسؤولياته» إذا فشلت المفاوضات مجدداً، في إشارة إلى احتمال اللجوء لانتخابات جديدة.
لكن المأزق أعمق من مجرد خلاف حول تشكيل حكومة. فالحلفاء التقليديون لماكرون أنفسهم بدؤوا ينأون بأنفسهم عنه، مع تزايد الدعوات لاستقالته قبل انتهاء ولايته. وقال رئيس الوزراء الأسبق إدوار فيليب، أحد أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة، إن «الدولة لم تعد مضبوطة»، داعياً إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة قبل عام 2027.
أما غابرييل أتال، الذي تولى رئاسة الوزراء حتى العام الماضي وكان من أقرب المقربين لماكرون، فصرّح بأنه «لم يعد يفهم قرارات الرئيس»، مضيفاً أن «الوقت حان لتجربة شيء آخر».
وتأتي هذه التطورات بعد الاستقالة المفاجئة لحكومة لوكورنو، الاثنين، بعد 14 ساعة فقط من إعلان تشكيلها، في سابقة تعكس عمق الانقسام السياسي. وكان لوكورنو قد عُيّن في أيلول/سبتمبر، خلفاً لفرانسوا بايرو، الذي أسقط البرلمان حكومته بسبب سياسة مالية تقشفية، غير أن الحكومة الجديدة واجهت انتقادات منذ اللحظة الأولى بسبب احتفاظها بوزراء من الفريق السابق، ما أدى إلى استقالة وزير الداخلية برونو روتايو ووزير الاقتصاد السابق برونو لومير، اللذين كانا ركيزتين في المعسكر الوسطي.
وفي محاولة أخيرة لاحتواء الأزمة، طرح روتايو، أمس، فكرة تشكيل حكومة «تعايش» تضم اليمين والوسط، شرط ألاّ «تُميّع هوية حزبه الجمهوري»، لكنّ الاجتماع الذي دعت إليه «الركيزة المشتركة» — وهو الائتلاف الهشّ الذي يربط بين هذين التيارين منذ حلّ البرلمان عام 2024 — عُقد بغيابه.
ومنذ تلك الانتخابات المبكرة التي أرادها ماكرون وسيلة لتجديد سلطته بعد فوز اليمين المتطرف بالانتخابات الأوروبية، غرقت فرنسا في حالة من الشلل السياسي. فالمشهد البرلماني بات مقسوماً بين ثلاث كتل كبرى — اليسار، اليمين، والوسط الماكروني — من دون أن تمتلك أي منها أغلبية تمكّنها من الحكم، ما جعل تمرير القوانين رهينة المساومات.
ويقول محللون إن خيارات ماكرون باتت محدودة بعد إعادة تكليف لوكورنو في محاولة أخيرة، أو تعيين رئيس وزراء جديد، أو الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، أو في أسوأ السيناريوهات مواجهة أزمة نظام قد تهزّ موقع الرئاسة ذاته.
وفي الأثناء، تتمسك المعارضة بمواقفها المتباعدة، فزعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون يلوّح بمذكرة لإقالة الرئيس، فيما يطالب الاشتراكي أوليفييه فور بتغيير في المسار عبر تشكيل حكومة يسارية، أما اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان فيرى أن المخرج الوحيد هو «حلّ الجمعية الوطنية، أو استقالة ماكرون»، مؤكدة أن التجمع الوطني «جاهز لتولي السلطة». وفيما يترقب الشارع الفرنسي ما ستسفر عنه الساعات المقبلة، تتصاعد المخاوف الاقتصادية من تداعيات الأزمة السياسية. (وكالات)
0 تعليق