«إجبار أم تهديد».. كيف أَحكم ترامب قبضته على نتنياهو المتحدي؟

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على عكس ما فعله مراراً مع سابقيه جو بايدن وباراك أوباما، لم يتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه المرة من تحدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث أعلن موافقته على خطته للسلام ووقف الحرب في قطاع غزة، رغم يقينه أنها ستضعه في مواجهة مباشرة مع وزراء اليمين المتطرف ما قد يهدد بنهاية حكومته الحالية.

وفي حين انطلق الرئيس الأمريكي بسرعة مذهلة للضغط من أجل الموافقة على خطته، فإن نتنياهو أيقن أنه لا يمكنه إيقافه هذه المرة، ومن المفارقات أن ترامب هو من أعلن بنفسه موافقة إسرائيل على خطته لوقف الحرب في غزة، وليس نتنياهو، حيث نشر ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائلاً إن إسرائيل وافقت بالفعل على خط انسحاب أولي داخل غزة للمرحلة الأولى من الصفقة.

إجبار نتنياهو على الموافقة

وفور مبادرة ترامب بالإعلان عن الموافقة الإسرائيلية، اتضح للرأي العام سواء داخل إسرائيل أو خارجها أن الرئيس الأمريكي هو من يمتلك تماماً زمام المبادرة، لدرجة أن الإعلامي الإسرائيلي البارز ناحوم برنياع، ذكر في مقال له بصحيفة يديعوت أحرونوت، أن «ترامب لا يهدد نتنياهو؛ بل يأمره».

ويقول المحللون إن نتنياهو ليس في وضع يسمح له بتحدي ترامب في ظل مواجهة اللوم الدولي لسلوك إسرائيل في الحرب والعزلة المتزايدة، ما يزيد من اعتمادها على الولايات المتحدة، وفق نيويورك تايمز.

وبعد إعلان ترامب الموافقة الإسرائيلية، خرج نتنياهو في نفس اليوم قائلاً في خطاب متلفز إن الخطة كانت نتيجة تحرك دبلوماسي نسقه على مدى أسابيع، وقدمه بشكل مشترك مع ترامب وفريقه.

لكن الرئيس الأمريكي تحدث عن الأمر بطريقة مختلفة بعض الشيء، فبحسب ما كشف لوكالة أكسيوس، أشار إلى أنه أجبر نتنياهو، «المتردد نوعاً ما»، على قبول الشروط. وأوضح ترامب: «قلتُ له: بيبي (نتنياهو)، هذه فرصتك للنصر.. كان موافقاً على ذلك، ويجب أن يكون موافقاً. ليس لديه خيار آخر. معي، يجب أن تكون موافقاً».

وبحسب ميتشل باراك، خبير استطلاعات الرأي الإسرائيلي الذي عمل مساعداً لنتنياهو في التسعينيات، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي أصبح يعتقد أن رصيده مع ترامب قد نفد.

لماذا تجنّب نتنياهو التحدي كعادته؟

يضيف باراك أنه بخلاف الموقف المتحدي الذي اتخذه نتنياهو غالباً ضد إدارة بايدن أو أوباما، فإنه: لأول مرة، لا يستطيع تجاهل رغبات رئيس أمريكي، بسبب طريقة عمل ترامب.. حيث لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ولن يتوافق مع الموقف الإسرائيلي.

ووفق مراقبين، فإن هذه الرؤية، اتضح في الأيام الأخيرة، حيث قام ترامب بوزن علاقاته مع نتنياهو مقابل مصالحه وعلاقاته مع دول أخرى في المنطقة، وفي مقدمتها قطر التي طالها هجوم إسرائيلي استهدف اجتماعاً لقادة حماس في الدوحة.

ويعد نهج نتنياهو مُفاجئاً بعض الشيء. فمنذ بدء المفاوضات في عهد إدارة بايدن، دأب رئيس الوزراء الإسرائيلي على عرقلة أي فرصة. أما الآن، فهو يُعزز آمال التقدم. ويبدو أنه استنتج أنه لم يعد بإمكانه عرقلة خطوات ترامب.

الضغط الدولي ومكانة إسرائيل

منذ أشهر، يبذل نتنياهو جهوداً حثيثة لتحقيق توازن دقيق، فقد عزم على الوفاء بوعده بتحقيق انتصار كامل على حماس، وكذلك ضمان بقائه السياسي من خلال استرضاء شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين يعارضون أي اتفاق يُبقي حماس صامدة.

في الوقت نفسه، أثارت الأزمة الإنسانية في غزة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وانتشر الجوع، غضباً عالمياً. وأظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الإسرائيليين، الذين طالما شككوا في فرص تحقيق نصر شامل، يُؤيدون إنهاء الحرب لاستعادة الرهائن. ويبدو أن صبر ترامب قد نفد فعلاً.

كان التقدم العسكري بطيئاً وركز إلى حد كبير على إجبار معظم السكان البالغ عددهم مليون نسمة تقريباً في مدينة غزة على الانتقال إلى الجنوب. ثم خرج نتنياهو للقول إن الضغط العسكري والدبلوماسي هو الذي دفع حماس إلى قبول خطة ترامب، لكن مع عدم الانتهاء من أي من التفاصيل الفنية المتعلقة بإطلاق سراح الرهائن، ومع بدء المحادثات في مصر الاثنين، كان ترامب قد أوقف بالفعل التقدم نحو مدينة غزة.

وبحلول السبت، كان الجيش الإسرائيلي يقتصر في عملياته على ما أطلق عليه الموقف الدفاعي والرد على التهديدات الفورية، ما يقوض موقف نتنياهو الذي تبناه منذ فترة طويلة بأن المفاوضات لن تتم إلا تحت النيران.

البقاء جزئياً في غزة

في حين أظهرت خريطة خط إعادة الانتشار الأولى التي قدمها ترامب أن إسرائيل تحافظ على سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي داخل حدود غزة، لكن الخطة قالت إن ذلك سيكون وضعاً مؤقتاً، كما أشارت أيضاً إلى أن القوات الإسرائيلية ستخلي ممراً رئيسياً يقطع شمال القطاع عن جنوبه.

وقبل أقل من أسبوع، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس، أن القوات كانت في طور استكمال السيطرة على ممر نتساريم، الذي كان الجيش قد استولى عليه وأخلاه في الماضي.

اعتذار لقطر

قبل الإعلان عن الاتفاق، أجبر ترامب نتنياهو على الاتصال معتذراً لرئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، إثر المحاولة الإسرائيلية الفاشلة الشهر الماضي لاغتيال قادة حماس في الدوحة. ونشر البيت الأبيض صورة نتنياهو وهو يقرأ اعتذاره المكتوب على السماعة، بينما كان ترامب يضع الهاتف أمامه.

وعلاوة على ذلك، أجبر ترامب وفريقه نتنياهو على التوقيع على بند في الصفقة يعد بمسار موثوق إلى إقامة دولة فلسطينية، في حين كانت إحدى أوراقه للحفاظ على ائتلافه الحكومي هي منع قيام دولة فلسطينية، ما دفع محللون إسرائيليون للقول إنه وافق على كل شيء، عندما رأى أن حياته المهنية برمتها على وشك السقوط الحر.

ومع ذلك، يشير خبراء آخرون إلى أن نتنياهو، باعتباره رئيس الوزراء الأطول خدمة في إسرائيل، قد نجا من العديد من الضربات التي لحقت بصورته في الماضي. ويقول مزال المعلم المعلق السياسي الإسرائيلي وكاتب السيرة الذاتية لنتنياهو: بيبي قادر على معرفة ما يريده الطرف الآخر وما يحتاجه. إنه يعرف متى يضبط نفسه. وأضاف أنه حتى الآن يبدو أن نتنياهو نجح في إقناع حزبه وقاعدته السياسية بأن الاتفاق يمثل فوزاً لإسرائيل وأنه يمتلكه.

كما شدد المعلم على أن نتنياهو، الذي ينظر إلى الأمور من خلال عدسة التاريخ، يعلم أن الدخول في معركة مع ترامب ستعود بالأذى عليه وليس على الرئيس الأمريكي.

تغيرات ترامب المفاجئة

كان لدى ترامب ورقة ضغط إضافية على نتنياهو، بخلاف موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الضعيف في الأمم المتحدة حيث شهد انسحاب جماعي للوفود مع بدء كلمته، فقد استغل الرئيس الأمريكي التظاهرات الإسرائيلية الضخمة المؤيدة للصفقة. ونشر صوراً لها على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويبدو أن الطريق إلى اتفاق طويل الأمد مليء بالعقبات. لكن إذا نجح ترامب في تحرير الأسرى هذا الأسبوع - نحو 7 أكتوبر وقبل إعلان الفائز بجائزة نوبل للسلام لهذا العام في 10 أكتوبر - فربما يستحق الجائزة التي يطمح إليها بشدة.

مستقبل حكومة نتنياهو الائتلافية

وبحسب صحيفة هآرتس، فإن المعارضة الإسرائيلية ستوفر لنتنياهو شبكة أمان برلمانية تُمكّن من إقرار الاتفاق السلام، لكن بعد ذلك، قد لا يكون أمام أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة إلا الاستقالة، ومع الانهيار المحتمل للائتلاف الحكومي فمن المرجح جداً إجراء الانتخابات المقبلة في الربع الأول من عام 2026.

إذا فاز نتنياهو في الانتخابات، أو إذا فرض حالة من الجمود السياسي أدت إلى حكومة انتقالية، فسيتمكن من البقاء في السلطة، ومواصلة تأجيل محاكمته الجنائية، ومنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية بشأن هجوم 7 أكتوبر، حيث يميل إلى توجيه اللوم إلى كبار العسكريين آنذاك وفي مقدمتهم رئيس الأركان السابق هرتزل هاليفي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق